اجمل ما كتب عن الطيب صالح عليه الرحمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وداعا "زوربا السوداني"
العرب أونلاين- فاضل عبد العظيم: رحل من حيث لمع نجمه.. هو ذاك الطيب صالح الروائي العربي السوداني الكبير الذي توفي في لندن عن عمر ناهز الثمانين عاما، بعد أن تبوأ لأكثر من أربعين عاما مكانة متقدمة على خريطة الرواية العربية بفضل رائعته الذائعة "موسم الهجرة إلى الشمال"، واستكمالا لمشهد غير مكتوب في الرواية، ربما، قضت المشيئة أن يهاجر الطيب صالح إلى الأبد من شمال الكرة الأرضية بعيدا عن وطنه السودان.
ونعى عدد كبير من المثقفين والمسؤولين في السودان والعالم العربي الأديب الكبير واعتبروا رحيله خسارة فادحة للأدب العربي، في وقت أحوج فيه إلى حضور مثل هذا العلم، ووصفه البعض بأنه "زوربا السوداني".
بوفاته التحق الطيب صالح بكوكبة من أعلام الفكر والثقافة العربية التي فارقتنا في الأشهر القليلة الماضية، محمود درويش، عبدالوهاب المسيري، منصور الرحباني وغيرهم، رحلوا لتبقى في الخاتمة آثارهم، شاهدة على أعمالهم الجليلة التي أمتعوا ونفعوا بها العالم أجمع.
الأديب الراحل الطيب صالح خلف ثروة أدبية زاخرة تضم عددا كبيرا من الروايات والأقاصيص زروتها"موسم الهجرة إلى الشمال" التي نالت شهرتها من كونها أولى الروايات التي تناولت بشكل فني راق الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ورؤيته للعالم الأول المتقدم، وقد سبقت قراءتها الأشبه بـ "النبوءة الأدبية" نظرية "صدام الحضارات" التي جاء بها بعد عقود المفكر الأمريكي صمويل هنتجنتون Samuel Huntington.
وولد الطيب صالح عام 1929 في شمال السودان وعاش طفولته وفتوته فيه، ثم انتقل إلى الخرطوم وأكمل دراسته الجامعية فيها حتى حصل على بكالوريوس في العلوم، ثم انتقل إلى لندن وأكمل تحصيله العالي في الشؤون الدولية، ثم عمل في الإذاعة البريطانية وترأس قسم الدراما فيها، وعاد لاحقا إلى السودان ليعمل مديراً للإذاعة ثم طُلب إليه أن يكون مديراً للإعلام أو وكيلاً للوزارة فاعتذر لأنه كان يرى المهمة شاقة وعاد إلى لندن.
تزوج الطيب صالح من امرأة إنجليزية قريبة من العالم العربي وقادرة على فهم مشاكله، وهي امرأة شديدة الحساسية والذكاء تُمثل التطلع الذهني عنده في المرأة عامة، أنجب منها ثلاث بنات، وانتقل الطيب صالح إلى قطر وعمل فيها وكيلاً لوزارة الإعلام ومشرفاً عاماً على أجهزتها، ثم شغل منصب ممثل اليونسكو في دول الخليج ومقره قطر في الفترة 1984 – 1989، وترك هذا التنقل والترحال بصمات على شخصيته ليكون ابن التمازج الحضاري بين الشرق والغرب فضلا عن التمازج العرقي العربي الأفريقي كطبيعة أهل السودان.
وشمال السودان هي المادة التي يختار الطيب نماذجه الإنسانية منها وشخوص أعماله، هي الرجال والنساء والأطفال من هذا الجزء من التراب السوداني، وهم على أي حال لا يختلفون كثيراً عن نماذج بقية أجزاء السودان، الأرض والناس. .
والطيب صالح ربما يكون النموذج لفترة الاختمار التي أعقبت قرناً من التفاعل بين الموهبة العربية والثقافة الغربية وبالأخص التراث الانكلو – أمريكي في القصة والرواية.
الطيب صالح في جميع مؤلفاته، سواء من القصة الأولى التي كتبها "نخلة على الجداول" عام 1953 إلى رواية "عرس الزين" سنة 1962 والتي سميت مجموعته الأولى باسمها، يرتد بموهبته إلى المجتمع السوداني، يستمد من بيئته النماذج الإنسانية والحوادث الاجتماعية، ليعرض لنا أزمات الأفراد والمجتمعات وتقلب ضمائرهم وإيمانهم بعقائدهم الموروثة وتفسيرهم للتطور الطارئ على بيئتهم ومواقفهم من الأحداث التي تمسهم ومساهمتهم بها، دون أن يغفل الإشارة إلى السؤال الغامض الذي يدور في نفوسهم – وهم أبسط الناس – عن معنى الحياة وغايتها، أن حياة الفرد ضرب من العبث إذا أخذناها بمعناها المجرد المطلق أما إذا أخذناها من نظرة قومية أو إنسانية اجتماعية فهذه الحياة نفسها إسهام فعال في تطور الأمة وفعاليتها.
ويقدم الطيب صالح في كتاباته المجتمع العربي السوداني بلهجته الحلوة ويقدم اللعب السياسية التي مارستها العهود المختلفة التي طرأت على السودان والتقدم الاجتماعي التكتيكي الذي تم خلال ذلك وموقف الشعب فيه.
وتتطرق كتابته بصورة عامة إلى السياسة، والى مواضيع أخرى متعلقة بالاستعمار، والجنس والمجتمع العربي، وفي أعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فإن كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية، لا سيما بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، طه حسين، ونجيب محفوظ.
وعلى غرار أعمال كبار الأدباء ترجمت العديد من روايات الطيب صالح إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي " موسم الهجرة إلى الشمال" و"عرس الزين" و"مريود" و"ضو البيت" و"دومة ود حامد" و"منسى"، كما تحولت روايته "عرس الزين" إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينيات حيث فاز في مهرجان كان.
وأكسب الترحال الكثير الطيب صالح خبرة واسعة بأحوال العالم من حوله،وبأحوال أمته، فوظف هذه الخبرة في كتاباته وأعماله الروائية.
في عام 2002 تم اختيار "موسم الهجرة إلى الشمال"، ضمن أفضل مائة رواية في التاريخ الإنساني وفق قرار اتخذه مائة من كبار الكتّاب الذين ينتمون إلى 54 دولة، وفي مارس- آذار 2007 مُنح الفقيد جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي، وقد حصلت هذه الرواية على العديد من الجوائز .. وقد نشرت لأول مرة عام 1966 عن دار العودة ببيروت وتم تتويجه من خلالها بلقب"عبقري الادب العربي"، كما وصفه الناقد المصري الراحل رجاء النقاش.
في عام 2001 تم الاعتراف برواية "موسم الهجرة" على يد الأكاديمية العربية في دمشق على أنها "الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين.