قصة قصيرة
الدخول من الخلف
جلس مسترخيا كانت الشمس قد غابت منذ ما يقارب الساعة. ألقى التحية المعتادة على نفس الأشخاص الذين تعود أن يحيهم بها في ذات الزمان والمكان، وهو بدوره تلقى رد التحية منهم جميعا وبصوت واحد. لم يكن هناك تغير في أي شي كل واحد قد استقر في مكانه تماما وبنفس الطريقة التي تعود أن يجلس بها واضعا اليمنى على اليسرى او اليسرى على اليمنى، أو جالسا القرفصاء على الكرسي.
ازداد عمقا في الاسترخاء بدأت تصل إلى مسامعه الأحاديث التي اعتاد أن يسمعها كل يوم والتي يكاد يحفظها عن ظهر قلب. حتى الأخبار المنبعثة من المذياع هي أيضا متكررة (مفاوضات الحل النهائي لمشكلة الشرق الأوسط و مفاوضات الحد من التسلح النووي وإجهاض الديمقراطية المتكرر من قبل العسكريين في دول العالم الثالث و الزلازل في اليابان).
كل المشاهد التي يراها يوميا (بلا ملل) أعادة نفسها أمامه، التحركات الرتيبة والصفوف الممغنطة تتشكل وتنفض أمامه في حركة دائرية مستديمة.
شعر بان هناك شي ما يجذبه إلى الداخل لم يستطيع أن يحدد شكل ذلك الداخل. هل هو الداخل النفسي أو كما يقولون عالم الأرواح، أم الداخل إلى عالم أخر غريب وقريب.
انتابه شعور بالغثيان، الشي الوحيد الذي كان متأكد منه هو أن هناك شي ما يسحبه إلى الداخل الخلفي. كان ينتقل من عالم إلى آخر عبر تلك الممرات الضيقة. مرت به عوالم غريبة، كلما تعمق في الدخول إلى الداخل الخلفي كان يحس بأنه أصبح أكثر ضخامة والجميع من حوله. التحركات والرتابة لم تتغير. (فقط تغيرت أحجام الشخوص) تجاوز كل العوالم حتى وصل إلى نقطة النفق المظلم الذي كان يعج بالصفوف الغريبة المتشابكة أمام ذلك الباب الضخم، تلفت في اتجاه اليمين واليسار، وقع نظره على ذلك الشخص الذي كان يجلس فوق المنصة. بخطوتين فقط استطاع الوصول إليه، عرف منه بان تلك الصفوف تقف خلف بوابة الزمن في انتظار الدخول إلى العالم من الخلف. والشرط الأساسي للالتحاق بتلك الصفوف هو إجادة التحدث بتلك اللغة التي سمعها ولم يفهمها، شعر برغبة في البكاء والضحك (معا) في آن واحد. قبل أن ينفذ تلك الرغبة سقط مغشيا عليه.
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بقليل عندما حمله أصدقائه إلى المنزل وادخلوه من الباب الخلفي وهو يتكلم بتلك اللغة الغريبة.