شرح حديث: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ..)
صلاة الجماعة فيها فضائل كثيرة، وقد حث عليها النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث متكاثرة، وقد بين العلماء حكمها وأسباب المحافظة عليها. وإن من أفضل القربات أداء الرواتب من الصلوات، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضلها ورغب فيها.
شرح حديث: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ..)
قال المصنف رحمه الله: [باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)]. هذا الحديث يتعلق بفضل صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة هي الاجتماع في المساجد لأداء الصلاة المكتوبة التي هي الصلوات الخمس، وقد دل على ذلك أدلة من القرآن كقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، فإن هذا دليل على أن المعية تحصل بجماعة يصلون هذه الصلاة ويركعون فيها ويسجدون، ومن الأدلة النداء لها في قوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] فإنه دليل على النداء للناس أن هلموا إلى الصلاة؛ ولهذا المؤذن يقول بصوته: حي على الصلاة، يعني: تعالوا إلى فعل الصلاة في هذا المكان. كذلك توعد الله تعالى الذين يُدعَون إليها ولا يأتون في قوله تعالى: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:43] (قد كانوا يدعون) أي: في الدنيا، (إلى السجود وهم سالمون) فعوقبوا بأنهم إذا أرادوا السجود يوم القيامة فلن يستطيعوا، وحيل بينهم وبينه، فهذا دليل على شرعية أداء هذه الصلوات في هذه المساجد. وقد ذكر لها العلماء حكماً ومصالح، ولو لم يكن في اجتماع المصلين على الصلوات إلا التعارف وتفقد الأحوال لكفى، فأهل الحي يجتمعون في كل يوم خمس مرات يرى بعضهم بعضاً، ويسلم بعضهم على بعض، ويسأل بعضهم عن حال الآخر، ويتفقدون أحوال من افتقدوه، ويعرفون من هو تقي محافظ على العبادة ومن ليس كذلك، فيعرفون أهل الخير، ويشهدون لهم بالصلاح، ويقولون: فلان صاحب عبادة لا يفتقد من المساجد، يرى دائماً مواظباً على هذه الصلاة، فيشهد له بالصلاح وبالخير. هذا الاجتماع الذي يجتمعونه في كل يوم خمس مرات لأداء هذه الصلاة فيه هذا التعارف، وفيه فائدة ثانية وهي: النشاط في العبادة؛ وذلك بأن يؤديها بنشاط وبقوة لا بكسل وخمول، والعادة أن الذي يصلي وحده يقوم إلى الصلاة كسلاً يتثاءب ويتثاقل ولا يقوم إليها إلا وكأنه يدفع إليها دفعاً، وكأنما أكره عليها، بخلاف ما إذا جاء إلى المسجد فإنه يجد انشراحاً وقوة وانبساطاً، ونشاطاً في البدن ونشاطاً في القلب. وفيها مصلحة ثالثة وهي: تعلم الجاهل، فإن الإنسان قد يكون جاهلاً بأحكام الصلاة فيتعلمها بالفعل وهو أبلغ من التعلم بالقول، والتعلم بالقول هو أن تقول في صفة الصلاة: إذا قمت فكبر، واجعل ركوعك أخفض من سجودك، واسجد على سبعة أعضاء، وهذا قد يعلمه الإنسان ولكن يبقى عليه التصور، فإذا تعلم بالفعل بأن كبر مع الإمام وركع معه وسجد وجلس وتشهد؛ أخذ التعلم فعلاً فكان أبلغ. وفيه أيضاً فائدة رابعة وهي: سماعه لكلام الله، وسماعه لما يؤتى به في هذه الصلاة، فإنه يسمع القرآن يتلى عليه في الصلاة الجهرية، ويسمع التكبير، ويسمع التسميع، ويسمع التحميد، ويسمع التسليم، فيستفيد من هذا، ويعرف الحكمة في شرعية هذه الأشياء، فيزداد بذلك معلومات وثقافات. أما الفوائد الأخرى الأخروية فهي كثيرة، منها: كتابة خطواته، ثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وبكل خطوة إلى الصلاة صدقة)، وقوله: (لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة أو حط بها عنه خطيئة، أو رفعه بها درجة)، وهذا خير كثير يحرمه الذي يصلي في بيته. وفائدة أخرى وهي: اكتساب الأعمال؛ وذلك لأنه إذا جاء إلى المسجد أدى راتبة أو تحية مسجد، وهذا عمل خير، وكذلك قرأ من القرآن إذا لم تكن الصلاة قد أقيمت، وهذا عمل خير، واستفاد وسمع الفائدة وهذا خير، فيؤجر على ذلك. وفيه أيضاً فائدة وهي: أنه يحظى باستغفار الملائكة له، ثبت قول النبي صلى الله عليه سلم: (الملائكة تستغفر لأحدكم ما دام في مصلاه ما كانت الصلاة تحبسه ما يمنعه أن ينصرف إلا الصلاة، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم صل عليه)، وهذا الأجر كله يفوت على الذي يصلي وحده في بيته، ولا يحظى بشيء من هذا الأجر. أما المضاعفة فسمعنا هذا الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، ومعناه: أن الذي يصلي فرداً يحصل له درجة واحدة، والذي يصلي مع الجماعة له سبع وعشرون أو ثمان وعشرون، وهذه الدرجات التي يحصل عليها بزيادة سبع وعشرين خير كثير يحرمه الذي يصلي وحده. لو أن إنساناً اشترى سلعة بثمانية وعشرين ثم باعها بدرهم واحد، فإنه خسر فيها سبعة وعشرين، ماذا تكون حالته؟ يأكل يديه لهفاً؛ لأنه خسر هذه الخسارة الفادحة من ثمانية وعشرين لم يحصل على درهم أو ريال واحد، فكيف يفوت عليه هذا الخير الكثير والأجر العظيم الذي رتبه النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته مع الجماعة؟!. وقد استدل بهذا من صحح صلاته وحده، ولكن معلوم أنه حتى ولو قلنا: إن صلاته في بيته مجزئة أو مسقطة للفرض، لكن أين هذه الأرباح؟ وأين هذه الفوائد؟ وأين هذه الخيرات التي يحصل عليها؟ تفوته المصالح الدنيوية والمصالح الأخروية والأجر والدرجات التي يحرمها. ......
منقول